الاحزاب والتيارات السياسية في لبنان اعتمدت عبر تاريخها الديمقراطي التوريث اساساً للاستمرار ولاكمال المسيرة، فبدت هذه الاحزاب كأنها ملكاً للمؤسسين او جزءاً من ممتلكاتهم الخاصة وفق باحث متخصص في الاحزاب السياسية.
ويتابع الباحث ان الاحزاب المسيحية كانت في طليعة الاوفياء لهذا المبدأ فيما الاحزاب العقائدية أظهرت دائماً حرصها الشديد على تداول السلطات رغم بعض الشوائب التي مارسها البعض عبر بعض «الكومبينات» التي تؤمن الاستمرارية في رئاسة الحزب وهم يتماهون بذلك مع الشعار السائد الى الابد، لكن الرفاق في هذه الاحزاب يقفون بالمرصاد لكل محاولات «التأييد» التي يفرضها ويشتهيها البعض.
لكن بالعودة الى الاحزاب والتيارات المسيحية وفق هذا الباحث وهي الموضوع الحالي حيث الضجيج الديمقراطي يرافق الانتخابات المنتظرة لاكبر هذه التيارات في شهر ايلول المقبل الموعد الذي تحدد لاجراء اول انتخابات لـ«التيار الوطني الحر» وسيجعله حزباً كباقي الاحزاب الموجودة على الساحة المسيحية.
من هنا يؤكد الباحث من خلال متابعته لهذه الانتخابات ان هناك مسعى من عدد من النواب والناشطين في التيار المناوئين للوزير جبران باسيل الى الاجتماع بالجنرال ميشال عون للتأكيد على أن المعركة ضد صهره باسيل لا تعني ابداً انها معركة ضد الجنرال، كما انهم يطالبون بالضمانات من الجنرال شخصياً بعدم الانتقام منهم في حال فوز باسيل برئاسة الحزب، خصوصاً ان الرئيس يمتلك الحق باختيار المرشحين للانتخابات النيابية، اضافة الى ان هذه المجموعة تريد ان تصارح الجنرال بالهواجس والاسباب التي دفعتها لخوض المعركة على اعتبار انها الحريصة على ديمومة التيار والمحازبين، فيما الوزير باسيل يسعى دائماً للاستعانة بالاصدقاء والمقربين، ويتجاهل الناشطين والحزبيين وهذا يبعد التيار عن العصبية الحزبية التي كانت سبباً رئيسياً في نجاحه وانتشاره.
ويبقى السؤال وفق المصدر هل تخاض المعركة بشفافية ام انها ستكون وراثية تحاكي سائر الاحزاب والتيارات في هذا الشرق؟
اما «حزب القوات اللبنانية» المشغول حالياً بتوزيع بطاقات الانتساب، فيرى الباحث عينه انه لم يدخل حتى الآن في تجربة الوراثة، لكن ملامحها كانت واضحة اثناء سجن قائدها الدكتور سمير جعجع. ففي تلك المرحلة اختار «الحكيم» ان لا يسمع اخبار الخارج الا من عقيلته ستريدا جعجع، وحصلت عمليات الاستبعاد والتقرب بناء لهذا الاستماع عبر القناة الوحيدة المعتمدة. وهذا يؤسس الى ان الثقة العمياء داخل الاحزاب ستبقى داخل البيت الواحد، فـ«تيار المردة» لم يجد اي صعوبات في التسليم «السلس» للمقدرات الزعامتية بين سليمان فرنجية ونجله طوني، فيما الاحرار خاضوا جميعاً معركة مرشحهم الوحيد دوري شمعون بانتظار ان يقتنع الاخير او يمل كي يسلم نجله كميل رئاسة الحزب. هكذا تعتبر الاوساط الحزبية القديمة انه اذا كان التوريث خطيئة فان الجميع ارتكبوها، كما ان الجميع باتوا على قناعة بان التيار او الحزب هو ملك خاص بالمؤسس يستطيع ان يورثه لمن يشاء طالما ان الفضل يعود دائماً له في نشأته. لذلك فان من يرافق الانتخابات الداخلية لـ«التيار الوطني الحر» من حملات سياسية واعلامية تأتي تحت عنوان الصراع بين المحورين 8 و14 آذار، خصوصاً ان الجميع تقريباً في سائر الاحزاب والتيارات السياسية في كلا الفريقين اعتمدوا التوريث كقاعدة «ديموقراطية» داخل عائلة المؤسس كتيار المستقبل و«الحزب الاشتراكي» او انهم استبدلوا التوريث بالمعادلة التالية: الرئيس الى الابد، كما هي الحال في حركة «امل» و«الحزب القومي» مؤخراً.